1توجد مفارقة في كون "مصر هبة النيل" فهي بلد زراعي يواجه مشكلة مزمنة وهي الاعتماد الخارجي على الغذاء: يغطي الانتاج المحلى بالكاد ٤٨٪ من احتياج البلاد من القمح في عام ٢٠١٦. وتتأثر مصر بشدة بتقلبات الأسعار العالمية باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم. وحمى نظام دعم السلع الاستهلاكية السكان على مر التاريخ من هذه التقلبات عن طريق الحفاظ على الأسعار المنخفضة للمنتجات الغذائية الأساسية (مثل الخبز والأرز والسكر والزيت)، التي تُوَزَّع بواسطة شبكة كبيرة من المخابز ومحال البقالة المدعومة.

التشكيك في الدعم

2ارتفعت تكلفة دعم السلع الاستهلاكية بشكل هائل أثناء أزمتي الغذاء العالميتين الكبيرتين في عامي ١٩٧٤ و٢٠٠٨، والتي ارتفعت خلالهما أسعار الحبوب. إعادة النظر في منظومة الدعم عام ١٩٧٧ أثارت انتفاضات هائلة جعلت الرئيس السادات يتراجع وأدت إلى أن يمتنع خليفته مبارك عن اتخاذ إجراءات مماثلة: وإنما اصلاحات هامشية وغير ظاهرة.

3وفي عام ٢٠٠٨، أدت أزمة الغذاء إلى نقص هائل في السلع، وتفاقم الأمر بالتسريبات في السوق السوداء التي أدت إلى حدوث تدافعات أمام المخابز واحتجاجات جماعية وأحيانـًا حالات انتحار. وتجاوبت الحكومة من خلال زيادة عدد المستفيدين من ٣٨،٣ إلى ٥٧،٧ مليون، إلا أن المنظمات الدولية (مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية) شددت على عيوب منظومة الدعم.

4ووفقاً لتلك المنظمات قد تؤثر هذه المنظومة أيضـًا بالسلب على التوازن الغذائي للأسر من خلال تشجيع استهلاك أطعمة غنية بالسعرات الحرارية، ولكن تفتقر إلى العناصر الغذائية: فمن شأن منظومة الدعم أن يبرز ظاهرتي سوء التغذية وفرط التغذية المتزامنتين لدى المصريين. كما أن قيام هذه المنظومة بتوفير الدعم على الوقود والغاز والكهرباء على هذا النطاق الواسع، قد تستفيد منها بشكل أكبر الأسر الأكثر ثراءً التي تستهلك النصيب الأكبر من الطاقة. وبالتالي، على الأرجح لن تكون المنظومة فعالةً في مكافحة الفقر ويتعين استبدالها بشبكات الأمان الاجتماعي الأخرى. وفي شأن آخر تَمنح المنظومة وزارة التموين دورًا رئيسيـًا في سلسلة الإنتاج الغذائي: فتقوم الوزارة على سبيل المثال بشراء القمح بأسعار مرتفعة، ولكنها تُوزِّع الدقيق بأسعار منخفضة. ووفقـًا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قد يكون هذا سببـًا رئيسيـًا للنوعية الرديئة للمنتجات وقد يعرقل التحرير المنشود لقطاع الأغذية الزراعية.

٢٠١٤: إصلاح منظومة الدعم

5ورغم أن انتفاضة عام ٢٠١١ دفعت الخبراء وصناع القرار إلى إدراك مدى الفقر والتفاوتات الاجتماعية والاقتصادية، فإنها لم تغير النهج المُتَبَع في مسألة الغذاء. ويٌعزى النقص في الزيت أو السكر أو الأرز الذي اتسم به عام ٢٠١٦-٢٠١٧ إلى نضوب احتياطي النقد الأجنبي، الذي لا يسمح باستيراد ما يكفي. ولهذا السبب، أوصى صندوق النقد الدولي في نوفمبر ٢٠١٦ بتعويم الجنيه لتنخفض قيمة الجنيه المصري بنسبة ٤٨٪، مما أدى إلى زيادة فاتورة واردات الغذاء والأسعار اليومية للسلع الأساسية وحتى المدعومة منها، باستثناء الخبز البلدي (المحلي)، الذي ظل سعره ثابتـًا لأنه يُمَثِّل الملجأ الأخير.

٦-٦ أسعار المنتجات المدعومة في مصر (٢٠١١-٢٠١٨)

6خضعت منظومة دعم الاستهلاك لتغيير جذري في يوليو ٢٠١٤. وخُفِّض الدعم على الوقود والكهرباء بشكل كبير وِفقـًا لطلب صندوق النقد الدولي. وأثَّرَ هذا الارتفاع في الأسعار على المُزارِعين الذين خضعوا أيضاً في مارس ٢٠١٧ لربط سعر القمح المحلي بالأسعار العالمية، أي أصبح سعر ١٥٠ كيلوجرامًا من القمح ٣١،٥ دولار مقابل أكثر من ٤٦ دولارًا في عام ٢٠١٦. فلم تعد وزارة التموين والتجارة الداخلية تُوفِّر دعمـًا مُسبقـًا على سعر القمح والدقيق: وتمثل الدعم في قيام الوزارة بإعطاء المخابز الفرق بين سعر الخبز المدعوم وتكلفة الإنتاج بعد ضربه في عدد أرغفة الخبز المُباعة. وأصبح من الممكن إحصاء عدد الأرغفة من خلال نظام البطاقات الذكية. حيث تُحدِّد هذه الأداة حصة الخبز للشخص الواحد، مما يقضي على طوابير الانتظار والنقص في الخبز. أما بالنسبة إلى المنتجات الأخرى، فإن هذه البطاقة الذكية تنقل نظام دعم الاستهلاك إلى نظام ائتماني نقدي ينفقه المستهلكون على سلع أكثر تنوعـًا (مثل الجبن والمعكرونة وصلصة الطماطم وغيرها).

7ولكن لم تصل البطاقات إلى جميع المستحقين، وبالتالي فهم لا يستطيعون الحصول على الخبز والبقالة المدعومة. بالإضافة إلى أن المنتجات المتاحة في محلات البقالة تختلف بحسب الشهر والمكان، والتموين بها ليس موحداً أو منتظماً: في الواقع، لا تتسم السلة المدعومة بالتنوع الحقيقي، مما يثير دائمـًا مسألة التغذية. لاسيما وأن التضخم أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للائتمان الممنوح على البطاقة الذكية: الذي تم تحديده مبدئيـًا بـ ١٥ جنيهاً للشخص شهرياً، ثم رُفِع إلى ٥٠ جنيهاً في يوليو ٢٠١٧. ولكن هذه الزيادة لن تستمر بلا حدود، ويتم الاتجاه إلى الحد من عدد مستحقي الدعم: ويعتبر تعريف معايير استبعاد الأفراد منه مسألة حساسة. وقد تم بالفعل شطب ثلاثة ملايين مستفيد من قوائم الدعم في الفترة ما بين يناير ومارس ٢٠١٩.

٦-٧ مخطط لإصلاح سنة ٢٠١٤ لنظام الدعم الغذائي